سنة الله في خلقه ، حياة ثم ممات ،
وحكمته في كونه ، قدوم وفوات ،
واقتضت الجبلة الآدمية على بني البشر النقص والهفوات ،
ولهذا شرع المولى الكريم ، مواسم تمسح الذنوب والآفات ، وتغسل الزلات ، وتزيل العثرات ،
مواسم لجني الحسنات ، والتخفيف من السيئات ،
ومن تلكم المواسم ، شهر رمضان المبارك ،
الذي ينتظر قدومه المسلمون بكل لهف ،
ويتأمله المؤمنون بكل شغف ،
وكأني ألمحه على الأبواب ،
فمرحباً بشهر رمضان ،
فهكذا تُطوى الليالي والأيام ،
وتتقلص الأعداد والأرقام ،
وتنصرم الشهور والأعوام ،
والناس قسمان ، قسم قضى نحبه ،
مرتهن بعمله ، حسابه على ربه ،
وقسم ينتظر ، فإذا بلغ الكتاب أجله ،
فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ، وطوبى لمن صدقت نيته ،
وطابت سجيته ، وحسنت طويته ، فكم من الناس من ينتظر شهر رمضان بلهفة وشوق ،
لينهل من بركاته ، ويغترف من خيراته ، فهو المعين الدافق ،
والنهر الخافق ، وعندما يقترب الشهر من زواره ، ويحل برواده ،
تنقطع آجال أناس منهم ، ويبقى آخرون ، إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى ،
ومنة عظمى ، يقدرها حق قدرها ، الصالحون المشمرون ،
فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان ،
أن يغتنم الفرصة ، ويقطف الثمرة ، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة ،
وندامة لا تعدلها ندامة ، كيف لا وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في محاورته مع جبريل عليه السلام :
" من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فدخل النار ، فأبعده الله ،
قل آمين ، فقلت آمين " [ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان والترمذي والطبراني بإسناد حسن ] ،
إن من الناس اليوم من لا يرحب برمضان ، ولا يرغب بشهر الغفران ،
لأنه يزجره عن المعاصي العظام ، ويحجزه عن الذنوب والآثام ،
مع أن بلوغ شهر رمضان كانت أمنية نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول
: " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان " [ ] ،
لقد كان السلف رحمهم الله يدعون ربهم ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان الماضي ،
ويدعونه ستة أشهر أخرى أن يبلغهم رمضان الحالي ، فأين الامتثال والاتباع والاقتداء ،
أم أن أكثر الناس في غواية وغفلة وجفاء ؟